الحصول على النسب المطلوبة للتوطين

نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال

إن البطالة المنتشرة بين الإماراتيين ليست مشكلة بفضل الجهود التي تبذلها الحكومة لتوظيف المتخرجين، إذ أن أحد هذه الجهود مبادرة “أبشر” لتشجيع القطاع الخاص على المساهمة في تحقيق أهداف “التوطين”. إن هذه المبادرة مسؤولة عن دفع تكاليف تدريب الإماراتيين، كما أنها تقدم دعماً مالياً بمقدار 30% من إجمالي الراتب الوظيفي المقدم لهم.

وتعد هذه المبادرة عظيمة ولم يسبق لها مثيل، لكن إذا ما وظف القطاع الخاص الإماراتيين من أجل هذه المبادرة وحسب، فسنكون على وشك الحصول على تقديرات خاطئة عن البطالة بدءاً من وقت تطبيق المبادرة، إلا إذا كانت هذه المبادرة ذات طبيعة مؤقتة.

مبادرة التوطين قائمة منذ سنوات، لكن دون تحقيق نتائج حقيقية بسبب عدم التزام القطاع الخاص. وحتى الملتزمون من القطاع الخاص، نجدهم يتلاعبون بالسجلات بطريقة أو بأخرى، وذلك إما عن طريق التوظيف بهدف رفع نسبة الإماراتيين – لكن من دون توفير التدريب الملائم لهم، أو أنهم يوظفونهم في مناصب إدارية متدنية دونما مسار مهني واضح للارتفاع في السلم الوظيفي.

وعلاوة على ذلك، فإن العديد من برامج التدريب التي تستمر لـ 12 أو 18 أو 24 شهراً تقود المتدربين إلى طريق مسدود حالما انتهت فترة تدريبهم. عندها يجد المتدربون أنفسهم عالقين في مرحلة أعلى بدرجة واحدة من المرحلة الابتدائية. وقد جربت اثنين من هؤلاء البرامج دون حصولي على مسار واضح أتبعه بعد التدريب.

وحسب تقرير المكتب الوطني للإحصاء للعام الدراسي 2012-2013، هناك حوالي 80,000 طالب حالياً في الجامعات والمعاهد سواء الخاصة أو العامة. وقبل التوسع في حسابات القوة العاملة وسوق العمل، لنفترض أن عدد الإماراتيين يبلغ مليوناً واحداً.

لقد ازدادت البطالة بنسبة سنوية وسطية تقدر بحوالي 3% منذ عام 2006 – 2013، إذ ارتفعت من 3.1% عام 2006 إلى حوالي 4.2% عام 2013. وبما أن نسبة البطالة قد انخفضت لمرة واحدة بعد أن بلغت 4.6% في الفترة ما بين 2011-2012، فيمكن تطبيق نسبة 3% على نسبة البطالة الأحدث لنتنبأ بنسبة بطالة تصل إلى 4.32% في عام 2014.

ووطبعاً نفترض أن هذه النسبة محصورة فقط بالإماراتيين، إذ أنه من غير المرجح أن يبقى الأجانب في البلد من دون عمل.

وبمتابعة الحساب، نجد أنه لا يمكن تطبيق هذه النسبة على مجموع عدد السكان المفترض (1 مليون) بل على القوى العاملة المشاركة. وهنالك تقدير آخر للمكتب الوطني للإحصاء للفترة ما بين 1995-2005 يفيد بأن 24% من القوى المشاركة هم من خريجي الجامعات.

وبناءً على كل هذه الأرقام، نجد أن لدينا عدداً مقدراً بحوالي 10 آلاف عاطل عن العمل من خريجي التعليم العالي، باستثناء الباحثين عن عمل من حاملي الشهادات من التعليم الابتدائي والثانوي. كما يستثنى مَن كان لديه عمل في السابق من هذه الحسابات.

وبما أن لدينا الآن 80 ألف طالبٍ في التعليم العالي – دون الأخذ بالحسبان الطلاب الأجانب الذين يدرسون لدينا والمبتعثين من الإماراتيين – نجد أن حوالي 865 من الخريجين سينتهي بهم المطاف إلى البطالة. (ملاحظة: تم استنتاج هذا الرقم بجداء نسبة البطالة المتوقعة لعام 2014 بربع عدد طلاب التعليم العالي الحاليين، على فرض أن هناك 20 ألف سيتخرجون كل عام).

وعلى فرض أن العاطلين عن العمل في الوقت الراهن ظلوا على حالهم، أضف إليهم 865 لكل عام حتى 2020، ستكون النتيجة الإجمالية حوالي 8,900 إماراتي عاطل عن العمل. وقد حافظت على الأرقام ثابتة دون الأخذ بالحسبان حقيقة أن جيل الشباب يشكل ما يقارب 35% من عدد السكان، وبأن عدد المتخرجين هذا سيزداد باضطراد. كما أنني تجاهلت التنبؤات بزيادة عدد السكان والتي تعبر عن عدد المهاجرين كذلك.

وبعد إضافة هذه الأرقام، نصل إلى حوالي 16 ألف إماراتي عاطل عن العمل بحلول عام 2020 مع افتراض عدم حدوث هبوط بمستويات التوظيف السنوي عما هي عليه الآن. كما أني لم آخذ بالحسبان عدد العاطلين عن العمل الإماراتيين الحاليين للأسباب الآتية: 1- تباين الإحصاءات بين المؤسسات المحلية والاتحادية، 2- نسب البطالة المختلفة في جميع المصادر المذكورة في المقال، 3- اشتمال قائمة الإماراتيين العاطلين عن العمل على أولئك الباحثين عن عمل – وهم أولئك الذين يغيرون أعمالهم إنما هم ليسوا يبحثون عن وظيفتهم الأولى.

لتوطين ناجح

ولتكون عملية التوطين ناجعةً، نحتاج إلى تأسيس قسم تابع لوزارة الاقتصاد والذي من شأنه التنسيق مع المصرف المركزي لتحقيق هدف خفض نسبة البطالة. أما في تشكيل لجنة، فلن يعالج المسألة حتى لو تضمنت أعضاء من المجلس الوطني الاتحادي، ذلك أن أي عضو فيها لديه ما يكفيه من المهام والمشاغل.

فالقسم الخاص سيكون لديه وقتاً أكثر، وموارد بشرية أكثر لتأسيس قاعدة بيانات متينة لنسب التوظيف، والتركيبة السكانية، والتوقعات المستقبلية للخريجين، ونمو عدد الإماراتيين المستقبلي، ومشاركة القوة العاملة، الخ. وبالإضافة إلى ذلك، سيحتاج هذا القسم إلى: 1- ضمان تطبيق التوطين بنسبة 100% في الوظائف الحكومية كافة دون الإفراط في التوظيف الذي من شأنه التعتيم على نسب البطالة الحقيقية باستثناء وظائف محددة، 2- تخصيص نسب أعلى للتوطين في القطاع الخاص اعتماداً على فهم طبيعة كل صناعة، والربط مع المؤهلات المتوافرة في السوق، 3- الإشراف على القطاع الخاص، وإصدار تقارير فصلية تقيّم الأداء وتتأكد من تحقيق الأهداف المطلوبة.

إنه لمن الجيد أيضاً وضع ترتيب خاص للشركات مبني على درجة التزامها، مع إعطاء مجموعة من المزايا للشركات في الترتيب الأول. وسيكون هنالك حاجة إلى وضع آلية لمكافأة الشركات التي حققت النسب الأعلى في الالتزام بالتوطين بمنحها عقود مناقصات الشركات الحكومية وشبه الحكومية.

في الولايات المتحدة، هناك فقط مليوني موظف اتحادي لعدد سكان يبلغ 313.9 مليون نسمة (إحصاء البنك الدولي عام 2012). ولهذا السبب بالذات، لم يؤثر الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة إلا على 800 ألف من مجمل الموظفين. أما في تايلند، ذات الـ 66.79 مليون نسمة، تبلغ نسبة البطالة 0.65%.

وكيفما نظرنا إلى هذه المسألة، نجد أنه يمكن للإمارات العربية المتحدة أن تحقق نسبة بطالة صفر بالمئة بين مواطنيها قبل معرض إكسبو 2020. وفي النهاية، أترككم مع هذه الفكرة: كيف يمكن للقطاع العام تغيير سياسات التوظيف لديه – بما في ذلك سياسات الأجور – مع عمليات التوظيف الأنشط والأكثر تنافسية في القطاع الخاص؟