نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال
إن كلاً من اليابان والولايات المتحدة، اللتين تهدفان إلى معدل تضخم بمقدار اثنين بالمئة في عام 2014، يساورهما القلق بأن تتوقفا عند مرحلة ركود دون تضخم أو حتى انكماش اقتصادي. قد يكون الأمر عادياً بالنسبة لليابان، لكن بالنسبة للولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية، تعدّ هذه نقطة جديدة مثيرة للقلق، إذ كانت إجراءات التقشف وما زالت كما هو معروف مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأزمة المالية وأكثر ارتباطاً بكل ما له علاقة بتداعياتها.
أدت الأزمة المالية – على نحو مباشر وغير مباشر – إلى ارتفاع شديد في البطالة، كما زادت من انخفاض دخل كل أسرة ومعدل استهلاكها. ومع وصول نسبة الإنفاق الحكومي في الولايات المتحدة لحوالي 25% من ناتجها الإجمالي المحلي، ووصول إنفاق اليابان لـ20% من ناتجها، فإن احتمال الزيادة معدوم، خاصةً وأن برنامج “أوباما كير” الصحي الذي أطلقه الرئيس الأميركي أدى إلى الكثير من الضجة، كما تمثّل سياسات “أيبنوميكس” الاقتصادية مجرد بصيص أمل بالنسبة لاقتصاد عانى من الانكماش لعقود مضت.
هذا ما يفسر أيضاً التركيز مجدداً على رفع الحد الأدنى من الأجور. لكن بمجرد ذكر زيادة الإنفاق الحكومي، أو فرض إجراءات تقشفية جديدة، تتوارد فكرة رئيسة واحدة إلى أذهان الناس وهي: زيادة الضرائب. وفي الوقت الذي تبدو فيه الحكومات منشغلة بدفع عجلة الاقتصاد، تجد لديها النية ليس لجعل القطاع الخاص يخلق فرص عمل فحسب، بل ليرفع الأجور أيضاً، إلا أن الأمر لن يكون سهلاً بالنسبة للولايات المتحدة بسبب معارضة محتملة من الكونغرس.
يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما: “لنزِد أجور الشعب الأمريكي”، الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة في الدخل لقاعدة كبيرة من موظفي القطاع الخاص وبالتالي زيادة الإنفاق والاستهلاك وعكس اتجاه التضخم نحو الارتفاع.
أما من وجهة نظر صاحب شركة في القطاع الخاص، فإن هذه الزيادة يجب أن تتزامن مع انخفاض فرص العمل المتاحة في السوق، جيث تحدد أساسيات علم الاقتصاد هذه العلاقة بين زيادة الرواتب وتناقص فرص العمل والعكس بالعكس. حسب تقديرات معهد مكينزي غلوبال، سيكون هنالك 90-95مليون عامل متدني المهارات بحلول عام 2014؛ وهو عدد يفوق حاجات سوق العمل، ويشمل ذلك كل من القطاع العام والخاص. وهذا يعني أيضاً بأن الجدل حول الحد الأدنى من الأجور لن ينتهي إخفاقه الآن وحسب، بل سيستمر طالما أن هؤلاء العاملون لا يحصلون على الفرص التي تعزز مهاراتهم وتساعدهم على الصعود على السلم الوظيفي. يعرف معهد مكينزي غلوبال العاملين ذوي المهارات المتدنية على أنهم أولئك “الذين لم يتبعوا تدريباً جامعياً في الاقتصادات المتقدمة، أو الذين لم يحصلوا حتى على تعليم مدرسي ثانوي حول الاقتصادات المتقدمة”. ويقدر معهد مكينزي غلوبال أن حصة العمل من الدخل قد هبطت بالفعل إلى أدنى مستوىً لها في 60عام.
أعادت اليابان حالياً النظر في نظامها الضريبي الذي سيؤدي إلى زيادة معدل الحد الأدنى من الأجور ليصل إلى ما يقارب 7،47دولار (27،44درهم) في الساعة. كما يصل الحد الأدنى من الأجور الفيدرالية الأمريكية الآن إلى 7،25دولار في الساعة، ولا يمكن رفع هذا المعدل دون موافقة الكونغرس؛ ما يفسر مناشدة الرئيس أوباما للقطاع الخاص ليتحمل المسؤولية ذاتها في الحفاظ على استمرار الاقتصاد.
وقد ذُكر في مقالة نشرتها صحيفة فاينانشال تايمز أن معهد السياسة الاقتصادية يعتقد أن زيادة “الحد الأدنى للأجور الفيدرالية إلى 10،10دولار بحلول عام 2016 ستعيده إلى نفس القيمة المعدلة حسب التضخم والتي وصل إليها في الستينات، وسينتج عنها ما قيمته 35مليون دولار من الرواتب الإضافية في تلك المرحلة”. ويُذكر في الصحيفة بأن ولاية كونيكتيكوت وضعت خطة لمدة عامين للوصول إلى 9دولار كحد أدنى من الأجور بحلول عام 2016.
يُذكر في المقالة نفسها أن هنالك بعض الولايات الأمريكية التي تحملت عبء رفع الحد الأدنى من الأجور ليصل إلى 10دولار بالساعة متجاوزاً بذلك المستوى الفيدرالي. وحسبما ذكر في موقع سي.إن.إن للمال، فقد وقّع أوباما منذ أسبوعين على أمر تنفيذي يتطلب من الشركات التي توقع عقوداً جديدة أو تجدد لعقود فيدرالية أن تدفع للعاملين حد أدنى من الأجور لا يقل عن 10،10دولار للساعة بدءاً من عام 2015.
يقدر مكتب الميزانية في الكونغرس بأن الأمر التنفيذي الذي وقعه أوباما سينتشل 900 ألف شخص من الفقر، إلا أنه سيؤدي في الوقت ذاته إلى تسريح 500 ألف موظف لتتمكّن شركات القطاع الخاص من تخفيض مصروفاتها. كل ما تم طرحه صحيح وفيه الكثير من المنطق، وتبرز هُنا لدينا فكرة هامة، وهي أن أرباب العمل عادة لا يولون انتباهاً إلى تكاليف الاحتفاظ بالموظفين ذوي المهارات المتدنية ممن لديهم عدد كبير من الخيارات المتاحة أمامهم، إذ يمكنهم التحول إلى أي عمل يتيح لهم أجراً أعلى بقليل في المستقبل. في كل الأحوال ووبغض النظر عن كيفية تحقيق ذلك، تحتاج كل من الولايات المتحدة واليابان إلى أن تزيد من استهلاك شعوبها وإنفاقهم بشكل أكبر.
إن دفع الأجور المنخفضة لا يساعد على الإنجاز مهما زاد عدد الموظفين، وفي المقابل، إن ارتفاع الأجور يزيد من إيرادات الضرائب التي تساعد الحكومة في الإنفاق على مشاريع يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة. أخيراً، الفكرة التي أود أن أترككم معها هي: هل سيحفز الأمر التنفيذي الذي وقعه أوباما شركات القطاع الخاص على السير في الاتجاه المطلوب؟