نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال
كان الجميع يتصرف بذكاء أثناء الأزمة المالية. فالمشكلة لم تكن بالافتقار إلى السيولة النقدية، بل بحقيقة أن الناس فقدوا الرغبة بالاستثمار في أي شيء باستثناء الذهب والعقارات، فقط تلك المؤجرة بالكامل. أما الذهب، فقد شهدنا جميعاً ارتفاع سعره إلى ما فوق 2000 دولار للأونصة الواحدة وانخفاضه إلى حدود الـ 1200 دولار.
وقد كان العام الماضي العام الأسوأ على الإطلاق بالنسبة للسندات، التي تعد من الاستثمارات الآمنة، حيثُ شهد الأسبوع الأول من ديسمبر (كانون الأول) عمليات سحب أموال من الصناديق الاستثمارية وصلت إلى 72 مليار دولار، وهو أعلى من الرقم المُسجل سابقاً وهو 63 مليار دولار عام 1994. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2013 أيضاً، حقّق مؤشر داو جونز رقم قياسي جديد عن أعلى رقم عام 2007 ليصل إلى 14,253.77 نقطة.
وعلى المستوى المحلي، تعافت الأسهم بعد أن انخفضت إلى ما دون قيمتها الاسمية في الفترة بين ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٣، ليتعدى سهم إعمار أخيراً 10 دراهم، بعد أداء خامد استمر طويلاً. بالتأكيد لم تكن المشكلة خلال الأزمة بسبب أداء الشركة نفسها، إلا أنه سيتم التطرق لهذا الموضوع لاحقاً.
إن الانتقال من استثمار إلى آخر هو أمر طبيعي. كما لا يدهشنا بأن الناس قاموا بالانتقال من الاستثمارات الآمنة إلى استثمارات أكثر ديناميكية، ما جعلهم أقل تجنباً للمخاطر وأكثر مغامرة في نهجهم الاستثماري.
في حالة الذهب، مهما امتدت المدة التي تحتفظ بها بهذا الاستثمار؛ لن تحقّق عائداً باستثناء رأس المال الذي يستغرق سنوات للحصول عليه بالإضافة إلى أن ارتفاع سعره مرهونٌ بزيادة الطلب الذي يتحقق عندما تتوقف حركة السوق أو تلوح أزمة مالية في الأفق.
أما بالنسبة للسندات، فتحصل منها على عائد لا بأس به، إلا أنها للأسف لا تستطيع أن تحقق لك عائداً أعلى من نسبة التضخم. فعلى سبيل المثال، كانت الفوائد المعلن عنها أول مرة للسندات الوطنية تتجاوز 7% بقليل، إن لم تخنّي الذاكرة، ويعد هذا العائد أكثر من جيد لاستثمارٍ آمن. وهنالك أيضاً
سندات الحكومات، إلا أن شراء هذا النوع من السندات يُعد مكلفاً جداً.
وبالعودة إلى الواقع، وبالنظر فيما تقدمه المصارف عموماً، نجد بأنه لا يوجد أي منتج يمكن أن يتغلب على التضخم أو أن يثمر عن عائد مقبول بعد أن تقتطع المصارف رسومها أو أرباحها. فما هي الخيارات المتاحة إذن؟
بدايةً، تحتاج إلى الإجابة على السؤال الحاسم حول مدى المخاطرة التي يمكن أن تقوم بها. وبعد ذلك، تحتاج إلى معرفة نوع العائد الذي ستحصل عليه بعد القيام بمثل هذه المخاطرة، وفيما إذا كنت ستقبل بهذا العائد أم لا.
يُعد ذلك دليلاً على أهمية التخطيط المالي، والتوفير، والاستهلاك الأفضل، والإنفاق الأكثر كفاءة. فبالنسبة إلى المُستثمر العادي، يعتبر العائد مقبولاً إذا تغلب على معدلات التضخم المعلنة، إذا تمكن من تجاوز 8-10بالمئة، أي متوسط عوائد الإيجار من الاستثمار العقاري، وأخيراً سهولة بيع الاستثمار والحصول على السيولة حال الحاجة إليها.
لقد ذكرت جميع الخيارات أعلاه لسبب أن هذه الخيارات تشكل بطريقة أو بأخرى التركيبة المثالية. وعلى كل حال، فإن العائد من كل فئة من فئات الأصول في محفظتك المالية يتوقف على تفضيلك الشخصي وعلى مدى رغبتك بالمخاطرة أو بتجنب المخاطر.
ولتبسيط الأمر، يجب أن تحتوي القيمة الاسمية لمحفظتك المالية على ثلاثة عناصر رئيسة: مبلغ نقدي، أسهم، وسندات؛ على ألا يتجاوز المبلغ النقدي 10 بالمئة ويتم توزيع الباقي حسب نسبة المخاطرة التي لا مانع لديك من قبولها.
السندات المذكورة أعلاه ليست حصراً على المحلية، إذ يمكن لسندات الخزانة الأمريكية مثلاً أن تمثل أحد الاختيارات. كما يمكن الحصول على السندات من خلال الاستثمار في صناديق استثمارية متخصصة بالسندات، لكن كما ذُكر آنفاً، فعوائد السندات أقل من غيرها كونها أكثر آماناً.
أما الأسهم، فهي أكثر تعقيداً. يجب أن تعرف هنا ما إذا كنت تبحث عن عائد سنوي عن طريق توزيع الأرباح من قبل الشركة، أو مكاسب رأس المال الناتجة عن أرباح ارتفاع قيمة السهم، أو كلاهما معاً.
ولا بد هنا من التنويه إلى أن الاستراتيجية الأفضل تبقى في شراء الأسهم والاحتفاظ بها. والسبب في ذلك هو أن أسهم الشركات الناجحة لا بد أن تعود للصعود مهما نزلت قيمة أسهمها، آخذين في الحسبان أن توزيع نسب أرباح مرتفعة بشكلٍ مستمر يمكن أن تكون إشارة على ركود الشركة أو عدم وجود فرص جديدة لها للنمو، ما يعني أنك ربما لن تحصل على أرباح في المستقبل، وستواجه خسارةً في رأس مالك عند نزول سعر السهم.
والفكرة التي أود ترككم معها هي: ما السبب وراء الارتفاع المفاجئ لعدد المستثمرين الروس في الإمارات العربية المتحدة؟