السيطرة على تكلفة المعاش التقاعدي في المستقبل

نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال

طرحت مرة سؤالاً على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” حول إمكانية التعويض بمعاشات تقاعدية أعلى لتخفيض نسبة البطالة. إن العلاقة بين هاتين النسبتين علاقة غير مباشرة، ففي حين تنخفض إحداهما، ترتفع الأخرى تلقائياً.

افتراضي هو أن المعاشات التقاعدية الأعلى يمكن أن تساهم فعلاً في خفض معدلات البطالة. فالبلدان التي لم ترفع سن التقاعد لديها تتطلع إلى فعل ذلك لتجنب الاضطرار إلى البدء بدفع حزم تقاعدية للسكان الذين يكبرون بالسن.

أما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أو كما يحلو للبعض أن يطلق عليها “نادي البلدان الغنية”، فتقدّر أن يبلغ السن التقاعدي 69 عاماً في المملكة المتحدة بحلول عام 2040، وفي إيطاليا والدنمارك بحلول عام 2050. كما تقدّر أن سن التقاعد في الولايات المتحدة وألمانيا سيكون 67 عاماً بحلول عام 2050.

لماذا؟ لأن خطط التقاعد في الولايات المتحدة يجري تمويلها بمعدل 84%، في حين تبلغ نسبة التمويل 91% في المملكة المتحدة (حسب مجلة “إيكونوميست” عام 2014). ووفقاً للحكومة البريطانية، حسبما نقل موقع “CNN Money”، فإن رفع سن التقاعد “سيوفر 500 مليار جنيه استرليني (2.98 ترليون درهم إماراتي) خلال خمسين عاماً”.

المنطق وراء هذه الأرقام هو إدخار الأموال. أو بعبارة أخرى، فإن فوائد الإدخار ستأتي من الدفعات المؤجلة التي يمكن في حال عدم تأجيلها أن تضيف تكاليف إضافية إذا انضمت فئات عمرية أكثر إلى الفئات الأولية.

كما أن إحدى عواقب رفع السن التقاعدي المطلوب هي أنه يؤدي إلى معدلات بطالة أعلى بين أوساط الشباب، وغالباً ما تكون هذه المعدلات أكثر ارتفاعاً وعلى نحو ثابت من معدل البطالة المتوسط لهذا البلد. وتعليل ذلك بسيط. فبتأخير التقاعد، ستبقى حركة دوران الوظائف في الأعمال القائمة منخفضة، ولا تستطيع الأسواق أن تحشد جهودها لإيجاد فرص عمل جديدة لا سيما في حقبة ما بعد الأزمة المالية العالمية. “وفي بلدان العالم المتقدمة، 18% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16-24 عاطلون عن العمل” (وفقاً لـ “بروجيكت سينديكيت”، 2014).

وتبلغ هذه النسبة حوالي 16% في الولايات المتحدة، و20% في المملكة المتحدة. وحسب نشرة إخبارية لموقع “يورو ستات”، وبدءاً من شهر مايو (أيار)، “بلغ عدد الشباب العاطلين عن العمل (تحت سن الخامسة والعشرين) 5,187 مليون في الدول الأعضاء الـ28 في الاتحاد الأوروبي”. ومن دون حدوث معجزة ما لإيجاد وظائف تكفيهم جميعاً، لا يُعد رفع السن التقاعدي طريقة مناسبة لحل المعضلة.

وتتباهى كل من تايلندا، وسنغافورة، وهونغ كونغ بمعدلات البطالة الثلاثة الأقل لديهم، إذ تبلغ هذه المعدلات 0,62%، و1.8%، و3.2% على التوالي. أما سن التقاعد في هذه البلدان فهو 60، و62، و60 عاماً على التوالي.

ليس من الضروري أن تكون نتيجة تخفيض السن التقاعدي هي معدلات بطالة منخفضة، لكن التخفيض يساهم بجميع الأحوال في زيادة حركة دوران الوظائف. ولا أطرح هنا فكرة أن نخفض سن التقاعد، بل أحاول استكشاف بضعة طرق لزيادة معدل دوران الوظائف.

ومن هذه الطرق التشجيع على التقاعد المبكر من خلال منح معاشات تقاعدية أعلى للمتقاعدين قبل سن التقاعد القانوني. ولكن هذا بالطبع له آثاره المالية، فليس هنالك تقريباً أي صندوق تمويل معاشي إلا ويعاني من نقص التمويل بطريقة أو بأخرى. وهذا هو السبب الذي جعل البلدان المذكورة آنفاً ترفع سن التقاعد أن تتطلع لرفعه.

ومع ذلك، لن يجد نقص التمويل حلاً طالما تمنح البنوك المركزية فوائد بمعدلات قريبة من الصفر كطريقةً للخروج من الركود، أو الركود المزدوج والركود الثلاثي. وربما لا يكون من السهل على الحكومات زيادة مساهمتها في الوقت الذي لا تستطيع فيه الالتزام بمساهمتها الحالية؛ وهذا هو سبب معاناة صناديق المعاشات من نقص التمويل، وهذا هو السبب وراء رفع الحد الأدنى للسن التقاعدي، والذي ربما سيجري رفعه مجدداً.

وقد طرحْت في مقالة سابقة فكرة وجود نظام واضح يمكّن الموظفين من التحقق من وضعهم التقاعدي بالنسبة لتعويضاتهم المستقبلية. وأن يكون أمامهم خيار تقديم مساهمة أعلى خلال سنوات عملهم لكي يحصلوا على راتبهم التقاعدي الذين يتمنونه لدى وصولهم إلى السن التقاعدي المستهدَف.

وأميل إلى الاعتقاد بعدم رغبة جميع الناس في فئة عمرية معينة بالتقاعد المبكر للحفاظ على نمط حياتهم اليومي، أو للتمتع بالمزايا التي لن يحصلوا عليها بعد تقاعدهم. وبجميع الأحوال، يمكن تطبيق تعديلات المعاشات التقاعدية على المنضمين الجدد إلى نظام المعاشات وعلى فئات عمرية محددة أصغر سناً ليتم اتخاذ الخطوة الأولى تجاه الإصلاحات المستقبلية طويلة الأمد في المعاشات التقاعدية.

ولن يساعد التقاعد المبكر الطوعي في تخفيض معدل البطالة فحسب، بل سيخفض من نفقات الحكومة مباشرةً من خلال تخفيض التعويضات المتعلقة بالبطالة. كما أن ذلك سيحافظ على مستوى معيشة المتقاعدين، في الوقت الذي يتحقق فيه التكافؤ في الإنفاق والاستهلاك.

وختاماً، أود ترككم مع الفكرة التالية: ما مدى الترابط بين رفع سن التقاعد المطلوب وارتفاع متوسط العمر المتوقع؟