التخلي عن اليورو ليس بالخطة السيئة بالنسبة لليونان

نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال

ها قد عدنا على ما يبدو إلى الحديث عما إذا كانت اليونان تستطيع التخلي عن اليورو كعملة لها. فقد أثير هذا الجدل سابقاً وها هو يبرز مجدداً، وسوف يبقى ما لم تتفق دول اليورو على مجموعة من السياسات النقدية التي تتماشى مع الجميع.

عندما أثير هذا الجدل للمرة الأولى في ذروة الأزمة المالية، كان البعض يقول بأن اليورو لم يعد العملة ذاتها في جميع الدول التي تعتمده عملةً رئيسية لها. فمجازاً، وعلى سبيل المثال، اليورو أرخص في اليونان مما هو عليه في ألمانيا بسبب المتغيرات المختلفة التي تؤثر على اقتصاد البلاد.

علينا أن نتذكر أيضاً كيف وضعت قبرص ضوابطاً على رؤوس الأموال كي تتجنب تسرب اليورو من اقتصادها، وقد كان اليورو يعد أرخص في قبرص أيضاً.

لماذا إذاً عاد هذا الجدل القديم؟ وكيف يمكن أن تكون العملة رخيصة في مكان ما في منطقة اليورو وغالية في مكان آخر من المنطقة ذاتها؟

تقع جميع الدول المستقلة التي تعتمد اليورو تحت رحمة البنك المركزي الأوروبي، وليست لديها أية سلطة على سياساتها النقدية. وبالتالي ليست هنالك أية سيطرة على حجم الأموال المتداولة ضمن اقتصادها.

غير أنه عندما تقع أزمات محلية ذات تأثير مختلف على كل دولة، فإن النتائج تكون مختلفة أيضاً. دعونا نناقش الأمر بشكل أعمق. فبالعودة للإشارة إلى اليونان وألمانيا، فإن لمكونات اقتصاد كل دولة أهمية كبيرة تحدد النتائج المحتملة عند وقوع أزمة المالية.

لذا، مهما حاول البنك المركزي الأوروبي أن يضع أسعار فائدة تحقق الأثر الأمثل على جميع الدول التي تستخدم اليورو، إلا أنه سيكون هناك خاسرون ورابحون. فاليورو أرخص إذا انخفضت أسعار الفائدة، لكن الدول التي يحقق ميزانها التجاري مكاسب في الصادرات سوف تستفيد أكثر من غيرها.

لماذا يقولون إذاً أن اليورو أرخص في اليونان؟ ربما لأنه يجب أن تعتمد اليونان عملة محلية أرخص.

لنعد مرةً أخرى إلى اليونان وألمانيا ومكونات اقتصاديهما. ميزان الصادرات والاستهلاك المحلي في ألمانيا جيد جداً، إن لم يكن الأفضل في العالم. يتيح لها ذلك مساحة كبيرة للمناورة عندما تزداد نسبة البطالة، وتكون آثار الأزمة محدودة بالقطاعات المتضررة والنسبة التي تشكلها من قطاع التصدير الكلي.

إلا أننا لا نستطيع قول الأمر ذاته عن اليونان. حيث أن الاستهلاك المحلي يتجاوز السبعين بالمئة وميزان الصادرات قد سجل رقماً سلبياً، فالوضع أصلاً متردٍ. وعندما نأخذ بعين الاعتبار أن قطاع السياحة يشكل سدس اقتصاد اليونان، فإنه لا شك أن أي تراجع في دورة الأعمال العالمية سوف يؤدي إلى انخفاض تلك الإيرادات انخفاضاً ملحوظاً.

عندما تمتلك الدولة القدرة على تخطيط وتنفيذ سياساتها المالية، فإن خسارة الإيرادات تؤدي إلى قيام الحكومة بالاقتراض من أجل تمويل ما تقوم به من مشروعات على أمل إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح. وقد خصخصت اليونان أيضاً العديد من الأصول التي يمتلكها القطاع العام.

ولنسأل أنفسنا هذا السؤال: لماذا انضمت بولندا إلى الاتحاد الأوروبي ولكن احتفظت بعملتها (الزلوتي)؟ ثم ابحثوا في الاقتصاد البولندي لتكتشفوا أن أداؤه كان جيداً في السنوات الماضية رغم الاضطرابات الاقتصادية التي تعاني منها العديد من الدول المجاورة، وعلى الرغم من عدم وجود تثبيت لسعر صرف العملة البولندية الزلوتي مع اليورو.

ووفقاً للمفوضية الأوروبية فإنه ليس لبولندا موعد لاعتماد اليورو، على عكس الحال بالنسبة لليتوانيا ورومانيا. وهل تريد بولندا الانضمام إلى منطقة اليورو حقاً؟ فعندما تأتي قادماً من إحدى دول منطقة الشنغن حاملاً اليورو تكون قدرتك الشرائية في بولندا أكبر مما هي عليه في أي دولة أخرى تعتمد اليورو، بما في ذلك اليونان، رغم أن الأسعار في اليونان أرخص نسبياً، مما يشجع بالتالي قطاعات السياحة والصادرات بمختلف أنواعها وغيرها.

قد يكون وجود عملة مستقلة عائمة أمام اليورو، كما هو الحال في بولندا، يشكل خياراً أفضل لليونان، ويفيد القطاع الخدمي الكبير أكثر من اعتماد اليورو كعملة رئيسية على مدى كل هذه السنوات. كما كان يمكن أن يُبقي قطاع السياحة مزدهراً خلال الاضطرابات.

والفكرة الأخيرة التي أود أن أترككم معها هي: ماذا يجب أن تفعل اليونان الآن؟ (تلميح: بالنسبة لخيار التخلي عن اليورو، يجب في البداية اعتماد سعر صرف ثابت من أجل تجنب إحداث أضرار كبيرة في هذا الاقتصاد المتضرر).