نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال
بعد تقديم بحث عن أسواق الأسهم إلى إحدى شركات التمويل والفوز بالمركز الأول من الجائزة التي تمنحها الشركة في مجال التمويل والمصارف؛ عُرض على الفائز وظيفة بدوام جزئي في الشركة إذ لم يكن في ذلك الحين قد تخرج من الجامعة. باختصار، كانت الوظيفة هي متابعة وتحليل أسواق الأسهم واقتراح خيارات رابحة، على المدى الطويل والقصير، كي يختار منها الرئيس التنفيذي للشركة عند التداول في أسواق الأسهم. ودون أي تأخير، جرى تحديد موعد له لمقابلة الرئيس التنفيذي. جرت المقابلة على ما يرام إلى أن وصلت إلى نقطة طرح فيها الرئيس التنفيذي على الفائز سؤالاً حول خطته للخمسة أعوام القادمة. كان رد الفائز التالي: “أبغي أعزز مهاراتي في التمويل والاقتصاد. أبغي أول شي أدرس لشهادة الماجستير وعقب أشوف لي مجال بحث مثير للاهتمام”. بعد ثلاثين ثانية من الصمت، سأله الرئيس التنفيذي: “هيه، إنته تدري إنه الماجستير ما بيزيدك إلا ألف في الراتب؟!”
يمكن أن نتفق إلى حد ما على أن الاستثمار في تعليم الذات هو أمر مجدٍ. ولا يتعلق أبداً بالحصول على زيادة متواضعة في الراتب، بل يتعلق في الحقيقة بالحصول على فرص أفضل في وظائف ذات أجر أعلى نسبياً، أو الحصول على آفاق أفضل للترقية في مكان العمل الحالي. السؤال الذي عليك أن تطرحه على نفسك قبل اتخاذ خطوة نحو الدراسات العليا هو ما إذا كنت تستطيع تحمل تكلفتها. هل لديك مدخرات كافية؟ هل تقدم الجامعة خطة دفع مرنة بحيث يمكنك تسديد الرسوم شهرياً من راتبك؟ أو هل يمكنك الحصول على منحة دراسية من المكان الذي تعمل فيه؟ (طبعاً ينسى الموضوع اللي عنده رئيس تنفيذي نفس اللي في المقابلة) أو كملاذ أخير، هل يمكنك الحصول على قرض لتمويل تقدمك الوظيفي المستقبلي؟ سوف نناقش في تتمة المقالة هذا الخيار الأخير والآثار المترتبة عليه. لنقارن أولاً بغرض التوضيح بين القرض الطلابي والقرض الذي تنفقه على استهلاك الأشياء، مثل شراء سيارة، من أجل تسليط الضوء على مدى اختلاف أحدهما عن الآخر. عندما تقترض من أجل شراء سيارة، فإن ما تقوم به أساساً هو جلب مدخراتك المستقبلية إلى الحاضر كي تستطيع الاستهلاك الآن، إلا أنك تدفع فائدة طوال مدة القرض. والأمر ذاته ينطبق على التمويل الشخصي.
أما الإنفاق على التعليم، حتى من خلال الاقتراض، فمن المفترض أن يضمن للمرء دخلاً أعلى في المستقبل. ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الأفراد الذين يتلقون مستوى تعليمي أعلى من والديهم يتمكنون من تحقيق دخل أعلى في المستقبل. وجدت دراسة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في نيويورك أن العديد من المدينين لم يسددوا القرض أو القروض الطلابية عند بلوغهم الأربعينات والخمسينات من العمر. يعود ذلك إلى الأسباب التالية: أولها هو عدم ربط دفعات القرض الطلابي بمستوى الدخل الذي يحققه الشخص، والذي قد يكون منخفضاً في حال رضي ذلك الشخص بأي عمل يستطيع الحصول عليه. السبب الثاني هو عدم القدرة على تحصيل مدفوعات القرض الطلابي، خصوصاً من هؤلاء الذين يسافرون للعمل في الخارج، ما يتسبب في تشكل فجوة في موازنة الحكومة إذا كان التمويل من جهة حكومية أو شبه حكومية. السبب الثالث هو أن تكاليف التعليم تتجه باستمرار نحو الارتفاع، وهو أحد الأسباب الرئيسية لوجود حوالي 40 مليون أمريكي يحملون إلى يومنا هذا قرضاً طلابياً واحداً على الأقل.
نادراً ما يجري الحديث عن القروض الطلابية في الإمارات العربية المتحدة، حتى أنّ البنوك والمؤسسات المالية في الدولة لم تُقدم هذه القروض على أنها منتجات مصرفية شخصية سوى في الآونة الأخيرة. ومن أجل ألا يؤدي ذلك إلى وقوع مشكلات مشابهة لما تواجهه الولايات المتحدة، حيث تبلغ القروض الطلابية 1.2 ترليون دولار؛ يجب أولاً إجراء تدقيق سليم لضمان أنه لن ينجم عن هذه القروض ديون غير مسددة حتى التقاعد. ثانياً، يجب أن نكون قادرين على التعامل مع الدفعات التي – إن لم تكن مضمونة قبل منح القرض – لن تؤدي إلى نقص في المدخرات وعجز عن السداد في المستقبل. عند تحليل بيانات صافي المدخرات في الولايات المتحدة الأمريكية، وجد كل من (كروسل) من جامعة ستوكهولم و(سميث) من جامعة يال أن صافي المدخرات “انخفض تدريجياً إلى الصفر”. بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، فإن معظم القروض الطلابية يتم تسويقها لطلاب الدراسات العليا، وربما ينبغي على المصرف المركزي هُنا أن يدرس نسبة الدين بحيث تكون أدنى حتى من السقف الأعلى لدفعات القروض وهي 50% من الراتب، ليس فقط لتفادي مشكلة عدم سداد القروض الطلابية في المستقبل بل لأيضاً تفادي مخاطر المُعدلات العالية للاقتراض في الدولة. السؤال الأخير الذي أبغي أطرحه عليكم هو: حد يعرف الزيادة في الراتب للحاصل على شهادة الدكتوراه؟