السندات العالمية ستخلّص السعودية من متاعبها

نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال

تموّل الدول موازناتها من إيراداتها، بغض النظر عمّا إذا كانت تهيمن على تلك الإيرادات عائدات النفط أو أية مصادر أخرى مثل الضرائب. وإذا لاحظت الدولة وجود عجزٍ في موازنتها، فإنها تلجأ إلى أحد الخيارات التالية -أو مزيج منها- من أجل سد هذا العجز: استخدام احتياطيات المصرف المركزي، أو السحب من صناديق الثروة السيادية، أو الاقتراض من سوقها المحلي، أو الاقتراض من الأسواق العالمية. والخيار الأول هو الذي تأخذ به معظم الدول النفطية حالياً نظراً لانخفاض أسعار النفط. كما لجأت دولٌ أخرى إلى الامتناع عن تحويل الأموال إلى صناديق الثروة السيادية بدلاً من السحب منها.

أما الخيار الثالث فيكون عن طريق إصدار سندات داخل سوق الدولة ذاتها، ويتبع الخيار الرابع الطريقة نفسها لكن تلك السندات تُباع إلى الحكومات والمؤسسات والزبائن الآخرين في الأسواق العالمية عن طريق المراكز المالية المعترف بها، ويهيمن الدولار على معظم تلك السندات. أحد الحالات الاستثنائية الوحيدة التي حدثت مؤخراً هي نيّة نيجيريا اقتراض اليوان عن طريق إصدار السندات في السوق الصينية.

ويهمني في هذه المقالة استكشاف الخيار الرابع بالنسبة للمملكة العربية السعودية، خاصةً وأن العالم في طور التعافي من أزمته الماليةوبالتالي فإن معدلات الفائدة منخفضة للغاية. كما تجدرُ الإشارة هُنا إلى أن بعض الدول مثل السويد واليابان استحدثت معدلات الفائدة السالبة. بعبارة أُخرى، يدفع الناس رسوماً مقابل إيداع أموالهم في البنوك، ذلك أن المصارف المركزية تفرض رسوماً على البنوك كي تحتفظ بأموال تلك البنوك.

وعندما أعلنت السعودية أنها تواجه عجزاً في الموازنة يبلغ 98 مليار دولار أمريكي، تصدّرت الصحف العديد من المقالات التي تتكهن بالخطوات التالية التي ستتخذها. فهل سوف تسحب من احتياطيات العملات الأجنبية؟ أم أنها ستسحب من صندوق الثروة السيادي؟

كما وضع آخرون مختلف أنواع الحسابات حول متى سوف تنفد النقود لدى مؤسسة النقد السعودي (SAMA)، وهي السلطة التي تدير الاحتياطيات النقدية السعودية. ثم أعلنت السعودية خطة الخصخصة وخططٍ أخرى ترمي إلى زيادة الإيرادات وتخفيف الضغط عن القطاع العام، لكن ماذا عن إصدار سندات الدين؟

بما أن الريال السعودي مرتبط بالدولار، فإنه ينبغي تعديل معدلات الفائدة بما يتوافق مع معدلات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كلما ارتفعت أو انخفضت. وحسب الاتجاه الحالي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي نحو رفع معدل الفائدة، فإنه من المستبعد جداً أن ينعكس الاتجاه مرةً أخرى ويعود إلى الفائدة الصفرية في أي وقتٍ قريب.

وبالنظر إلى الظروف الحالية في الأسواق المالية، ألن يكون الخيار الأكثر كفاءة هو الاقتراض من الأسواق الدولية، خصوصاً بالنسبة إلى دولة تبلغ فيها نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي 5 في المئة؟

تشجع معدلات الفائدة السلبية الناس عادةً على الإنفاق. ويُعدّ شراء السندات ثاني أفضل خيارٍ بالنسبة للذين لا يرغبون في الإنفاق، بدلاً من الإيداع في المصارف. فدولة مثل المملكة العربية السعودية، وبالرغم من أن وكالة فيتش خفضت تصنيفها الائتماني، إلا أنها ما تزال ضمن التصنيف A، وما تزال نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي بعيدةً جداً عن الوصول إلى مستويات جادة وخطيرة. بعبارةٍ أخرى، تستطيع السعودية الاقتراض بمعدلات فائدة أقل من الدول الأخرى التي نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها عالية، أو سبق لها أن تخلفت عن سداد التزاماتها من الديون.

أيضاً، بوسع السعودية أن تُصدر مزيجاً من السندات قصيرة الأجل وطويلة الأجل. فعائدات الأولى على الأصول الأجنبية ينبغي أن تغطي التزاماتها، وسوف تمكّنها الظروف الأفضل في السوق من بيع أصولها الأجنبية بأسعار أعلى من قيمتها العادية عند الحاجة من أجل الوفاء بالتزاماتها من الديون. وأنا أستبعد هنا إعادة التمويل نظراً لأن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بدأ قريباً برفع أسعار الفائدة.

أما بالنسبة للسندات طويلة الأجل، ذات العشر سنوات تحديداً، فإن خطط الخصخصة والخطط السعودية الأخرى سوف تضمن سداد فوائد هذه السندات. وفضلاً عن ذلك، فإن عشر سنوات ستكون مدةً كافيةً حتى تنتعش أسواق النفط إلى نقطة تستطيع فيها السعودية أن تسدد أية التزامات غير متوقعة (كالخاصة بالسندات مثلاً) إذا لزم الأمر.

الفكرة الأخيرة التي أريد أن أترككم معها هي: ما هي العملات التي ينبغي على السعودية أن تصدر السندات بها في حال فعلت ذلك؟ (تلميح: من الذي يملك الحصة الأكبر من سندات الخزينة الأمريكية؟).