نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال
فلنناقش عمليات الاندماج والاستحواذ: لماذا تحدث؟ ولماذا نختار الاندماج وليس الاستحواذ؟ وماذا يحدث بعد ذلك؟
غايتنا هنا بعد ذلك هي توجيه المقالة نحو عمليات الاندماج بين المصارف، وتحديداً الاندماج الذي حدث مؤخراً بين مصرف أبوظبي الوطني ومصرف الخليج الأول. وعند تعريف الاندماج والاستحواذ، أضفت أمراً آخر يقع في مكان ما بين الاثنين.
بدايةً، يحدث الاندماج عندما تقرر شركتان توحيد مواردهما في شركةٍ واحدةٍ أكبر حجماً. أما الاستحواذ فيحدث عندما تقرر شركة ما “ابتلاع” شركةٍ أخرى. ولكن كي يحدث ذلك، فإن الشركة المستهدفة تكون عادةً منافساً شرساً من المحتمل جداً أن يكون واقعاً في ورطة، وغالباً ما تكون ورطةً مالية.
وهناك بضعة جوانب مشتركة بين الاندماج والاستحواذ؛ منها أن الغاية الرئيسة منها في العادة هي إقصاء المنافسين المحليين وزيادة فرص المنافسة على الصعيد الإقليمي أو العالمي.
الشيء الآخر المشترك بين الاندماج والاستحواذ هو أنهما يوفّران للشركة الكبيرة الحجة لتسريح المزيد من الموظفين، الأمر الذي يمكن أن يكون ذا فائدةٍ كبيرة للشركات التي تعاني من وجود موظفين بها فوق حاجتها. وقد ذكرت سابقاً وجود نوعٍ ثالث، وهو يشبه الاندماج إلا أنه يُعدّ استحواذاً بشكلٍ أو بآخر. ذلك أنّ إحدى الشركتين تكون أكبر بكثيرٍ من الأخرى في الحجم والعمليات وما إلى ذلك، ومع ذلك، تسمى الشركة الكبيرة الناتجة عنه الكيان المندمج.
فلننتقل الآن إلى الاندماج بين المصارف. فإذا رجعتم إلى الأزمة المالية العالمية عام 2008 وما حدث بعدها، فستلاحظون زيادةً في عدد عمليات الاندماج. ولم يكن الاندماج يحدث في الولايات المتحدة وحدها، بل أيضاً في العديد من البدان الأخرى التي عانت من تداعيات الأزمة.
وقد يُحاجج البعض أن حدوث تلك الاندماجات يصبّ في مصلحة الشركات التي تدير العملية، خصوصاً إذا لم تكن الذريعة الضمنية للاندماج واضحة. وعلى كلّ حال، كلما حدثت أزمة أو لاحت واحدةٌ في الأفق، يكون ذلك دائماً الوقت المناسب لحدوث تلك الاندماجات. ويمكن تتبّع هذا الاتجاه في الولايات المتحدة وصولاً إلى بداية القرن العشرين، عندما هيمنت مصارف جي بي مورغان (الذي أصبح جي بي مورغان آند تشايس)، وويلز فارغو، وبنك أمريكا على ذلك القطاع.
كانت هناك سابقة في الإمارات العربية المتحدة عندما اندمج مصرف دبي الوطني ومصرف الإمارات، ومن ثم استحواذ الكيان المندمج على مصرف دبي. فلماذا إذاً اندمج مصرف أبوظبي الوطني ومصرف الخليج الأول؟
يقول مارفن كينغ المحافظ السابق لبنك إنكلترا: “تعيش البنوك عالمياً، لكنها تموت محلياً”.
وقد يجادل البعض أن هذا قد يكون نتيجة تباطؤ العمل المصرفي، وربما هذا هو أحد أسباب الاندماج. وربما من الأسباب هو أن المصرفان أصبحا كبيران جداً على السوق الإماراتيّة؛ فرغم أنه لمصرف أبو ظبي الوطني حضورٌ مثير للإعجاب على الصعيد الدولي، إلا أنّه سيكون من الأفضل لمصلحة المصرفين تشكيل أكبر مصرف في المنطقة من حيث حجم الأصول.
سيؤدي ذلك إلى تمكين المصرف الضخم من تعزيز وجوده الدولي، فيصبح قادراً على منافسة عمالقة المصارف على صفقات الاندماج والاكتتابات العامة ونحوها. وإذا سألتم عن رأيي الشخصي، فإنني أرغب في رؤية المزيد من الاندماجات في دولة الإمارات، ولدي سببٌ رئيس لذلك.
إن المنافسة في السوق المحلية أمرٌ صحيّ إلى أن تصل إلى مرحلةٍ تكون فيها الشركتان أكبر من الاستمرار في المنافسة وتحقيق عوائد مالية من ذلك. وهذا يفسّر لماذا تسعى المصارف ويسعى المطورون العقاريون وراء فرص الاستثمار خارج دولة الإمارات. وإن تكوين شركاتٍ أكبر وأكثر كفاءةً في قطاعات المصارف، والتطوير العقاري، والاتصالات، والطيران وغيرها سيعزز مكانة دولة الإمارات، وبالتالي يعزز حضور شركاتها على الصعيد العالمي. ومثل هذه الشركات يمكن أن تكون جاذباً للمستثمرين العالميين إذا كانت مدرجةً في الأسواق المالية.
الفكرة الأخيرة التي أريد أن أترككم معها هي: ما هو الاندماج الكبير المقبل الذي يبنغي أن يحدث في الإمارات؟