تحديد دخل أساسي ليس العلاج الشافي

نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال

ما سر الاهتمام الكبير بمفهوم الدخل الأساسي؟ هو ليس مفهوماً جديداً، وأعتقد أنه تَطَوَر عن مبدأ تسليم أو تحويل إعانات نقدية للأسر الفقيرة، إذ تم تفضيل هذا المنهج على ذلك المتمثل في دعم السلع الغذائية الأساسية كالسكر، أو دعم أسعار البنزين كجزء من الدعم الحكومي غير المباشر لغير القادرين على تحمل أعباء الحياة وفقاً لأسعار السوق. ومن ثم أصبح التساؤل يدور حول ما إذا كان من الأفضل أن تُقدَم هذه المبالغ بشكل شهري، أم تقديم مبلغ نقدي كبير لمرة واحدة ولأسرة محددة، حيث يمكن لهذه الأسرة أن تستخدمه على سبيل المثال، لسداد ديونها، والبدء في مشروع صغير.

كما يمكن تحويل هذه الإعانات الشهرية وتعديلها لتصبح مرتبات أساسية، لكن جدلاً واسعاً يدور اليوم في كل مكان حول كيفية التعامل مع موضوع الدخل أو المرتب الأساسي لا سيما في البلدان ذات معدلات الفقر المرتفعة، فما الذي تغيّر؟.

يتحدث الجميع اليوم عن الأتمتة، إذ سيحل الذكاء الصنعي والآلات محل غالبية الأعمال، خاصة تلك التي في الجزء السفلي من جدول الأجور، وتناول مؤسس “المنتدى الاقتصادي العالمي” كلاوس شواب هذا الأمر بالتفصيل في كتابه “الثورة الصناعية الرابعة”، حيث نقل تقارير مختلفة أصدرها المنتدى، وضرب أمثلة عن المهن الأكثر أو الأقل عرضة لعملية الأتمتة، فضلاً عن المهارات التي سيرتفع الطلب عليها بشدة مع حلول العام 2020.

وعليه، يكون الافتراض هنا هو أن مثل هذا التحول سيخلف الكثير من العاطلين عن العمل، والذين لا يمتلكون المهارات اللازمة للحصول على وظيفة أعلى أجرا، كما أن تحليل التكلفة/ المنفعة سيُطَبَق إما لإنفاق المال على تدريب العاطلين عن العمل، أو على توفير دخل شهري أساسي لهم، لكن لا يوجد جواب واضح حتى الآن.

من ناحية أخرى، إن مفهوم الدخل الأساسي بحد ذاته مماثل لمفهوم إعانات البطالة، لكن الأول لا يخضع لفترة زمنية محددة، في حين أن مفهوم الإعانات يغطي عدداً محدداً من الأشهر، اعتماداً على ما إذا كان يمكن تمديده أم لا.

سؤال آخر، هل الدخل الأساسي جيد؟ أو لنعيد تشكيل السؤال كالآتي: هل إعانات البطالة جيدة؟ ومن دون الحصول على أدلة رقمية تدعم أي من القضيتين، يجب أن نعترف بأن إحدى الإشكالات الرئيسة في المنح النقدية -إعانات البطالة والدخل الأساسي- هي مسألة التواكلية.

إن وجود هذه الإشكالية يدعم بشدة خيار تقديم مبالغ نقدية ضخمة بدلاً من المبالغ الشهرية التي لا تغطي سوى النفقات الرئيسة، ولكن ماذا لو طُلب من العاطلين عن العمل تقديم مقترح مشروع تجاري في ضوء ما يحصلون عليه من إعانات البطالة الشهرية أو من الدخل الأساسي في المستقبل؟ ومن ثم يتم تقديم الاستشارات لهم حول كيفية بدء الأعمال التجارية قبل أن يتم إعطاؤهم أي من المبالغ أو الشيكات النقدية، لإنشاء ذلك العمل؟

إذا أمعنت التفكير في ذلك، ستجد أن المستقبل غير محصور في فرص العمل التي تخلقها الشركات الكبيرة فحسب، ولا من خلال زيادة عدد الوظائف في القطاع الحكومي، وإنما في أعداد كبيرة من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي ستقوم بتوظيف عشرات إلى مئات الموظفين، وملائمة مهاراتهم لتتناسب والفرص المتاحة وتتكامل مع نظام الأتمتة في مرحلة مبكرة جداً.

وبالعودة إلى الدخل الأساسي، هو دعوة نبيلة للتحرك، تضمن عدم حصول أي شخص على دخل أقل من مبلغ ما في بلد ما، الأمر الذي سيودي بفكرة الحد الأدنى للأجور إلى الهاوية.

وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الإشكاليات المتعلقة بالدخل الأساسي، كحالة التواكل على الدخل الأساسي طالما يتم دفعه باستمرار، والحاجة لزيادة مبلغ الدخل الأساسي بالتناسب مع ارتفاع تكلفة المعيشة، أو مع التضخم، فضلاً عن احتمال ارتفاع عدد الأشخاص الذين سيفضلون الانسحاب من سوق العمل من أجل الحصول على الدخل الأساسي إذا كانت الفجوة بين ذلك الدخل ودخلهم ضئيلة، إلى جانب أن الدخل الأساسي سيجعل الشركات أقل ابتكاراً في خلق فرص العمل، وبالتالي سيؤدي إلى زيادة في البطالة.

وبدلاً من ذلك، ينبغي إجراء تحليل التكلفة/ المنفعة لتقييم تكلفة تدريب الفرد مقارنة بمنحه قرض تجاري صغير، لبدء مشروعه الخاصة، وسيكون فشل أي مشروع تجاري هو جزء من منحنى التعلم المصيري له.

الفكرة الأخيرة التي أريدُ أن أترككم معها هي: ما ميزتك النسبية بالمقارنة مع الآخرين؟