نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال
هل توطين الوظائف job naturalization ذو أثر جيد على الدول التي تقوم بتطبيق سياسات ذات صلة؟
للتفكير في ذلك دعونا نسأل أنفسنا السؤال التالي: هل يمكن لمواطني بلد ما أن يتنافسوا في أسواق العمل العالمية؟
لقد تغيرت ديناميكيات أسواق العمل، ولا تزال مستمرة في التغير، ولم يعد كافياً وجود العامل على أرض المعمل لينقل الأشياء من جهة لأخرى، أو لحزم الأشياء في صندوق. إذ أن المهارات المطلوبة في الأعمال شهدت تطوراً إثر تطور الأسواق والوظائف المرتبطة بها.
بيد أن التغير الحاصل اليوم لايرتبط بالتقدم التقني، أو بمواضيع الذكاء الصنعي فحسب، بل إنه تحول كامل في ديناميكيات أسواق العمل. كما ينبغي علينا أن ننظر إلى هذا التغير على أنه جزء من اتجاه يتطور باستمرار ويتصف بعدة محددات ألا وهي: انعدام الحاجة إلى بعض الوظائف التي عفا الزمن على المهارات اللازمة لأدائها، وانبثاق وظائف جديدة تتطلب مهارات مختلفة، وهو الطابع الغالب اليوم، مع إبقاء بعض الوظائف القديمة التي باتت تستلزم مجموعات أكثر تقدماً من المهارات.
إذاً، فما هي المشكلة؟
للإجابة على هذا السؤال علينا الإجابة أولاً على السؤالين الذين قمت بطرحهما في بداية مقالنا هذا وهما: أولاً، هل يحقق توطين الوظائف الغاية المرجوة منه؟
لنتكلم بداية عن التوظيف المُقنع shadow recruitment. إذ أنه من السهل جداً على الشركات أن تتلاعب بأرقام العمالة لديها من خلال تطبيق بعض الحيل المحاسبية، والتي يمكن استقاؤهل من حيل التلاعب التي قامت بها شركة إنرون Enron، عندها ستُظهر الأرقام ما تريده أنت منها.
إذاً، وبناءً على ذلك، يمكنك كمدير شركة أن تقوم بتوطين الوظائف في شركتك ومقرها دولة الإمارات من خلال توظيف مواطنين إماراتيين في جميع القطاعات والتصنيفات مع تجاهل كامل أو جزئي لمجالات دراساتهم ومهاراتهم.
لكن فيما لو تم الاستمرار بهذا الاتجاه، ستقع دولة الإمارات مستقبلاً في مشكلة اقتصادية وذلك لسببين اثنين. أولهما، أن توظيف الأشخاص في الأماكن غير المناسبة، فضلاً عن توظيف المزيد من الأشخاص لقيام بنفس العمل، سيؤدي إلى انخفاض الكفاءة والفعالية. أما السبب الآخر، وهو تطبيق ما يُعرف بالبطالة المقنعة shadow unemployment، وهي نسبة العمالة التي تحصل على أجور أو رواتب دون مقابل من العمل أو الجهد الذي تتطلبه الوظيفة نتيجة التوظيف الخاطئ. وستُظهر أعداد هذه العمالة انخفاضاً حاداً في نسب البطالة، في حين أن الشركات تكاد تكون غير قادرة على الاستمرار بنتيجة انخفاض كفاءة عمالها.
وبالعودة إلى سؤالنا الثاني، ومع افتراض أن كل ما سبق ذكره دقيقٌ في الواقع، يتبين أننا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. إذ لو يمتلك الأفراد القدرة على أن يتنافسوا عالمياً في مجالات عملهم، فلن تكون هناك مشكلة أصلاً. بل وسيدفع ذلك الشركات للتنافس بشدة على توظيف الأفضل في كلٍّ من تلك المجالات.
ونظراً إلى أن ما ذكرته ينطبق على نسبة صغيرة فقط من مواطني دولة الإمارات وفي مجالات محددة جداً، فإن المشكلة قائمة وستستمر فيما لو لم يتم العمل على حلها وعلى مختلف المستويات.
ولعل التعليم هو أولى هذه المستويات، إذ لا يجب أن يقتصر على تدريس الأجيال وزيادة معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة فحسب، بل لابد له من أن يضطلع أيضاً بمعالجة قصور المهارات في سوق العمل. وبعبارة أخرى، ضرورة تعزيز مستويات التعليم ليس لليوم فقط، بل للمستقبل أيضاً.
هذا الأمر يقضي أيضاً بضرورة إجراء تحليلٍ مناسبٍ للفوائض وأوجه القصور التي نواجهها اليوم، والتي سنواجهها مستقبلاً. ومن الناحية المثالية، فإن معالجة ما سبق اليوم وضمان مواءمة التعليم لأسواق العمل، من شأنه أن يحول دون وجود أي عجز أو فائض في المهارات مستقبلاً.
أما المستوى الثاني يتجسد في تعزيز كفاءة وفعالية برنامج التوطين من خلال تحقيق النتائج المرجوة من المستوى الأول بدايةً، مما يضمن توافر المهارات المطلوبة في الأسواق. ومن ثم من خلال تحويل البرنامج إلى شكل من أشكال الحماية وليس الإجبار.
وفي حال وجود الرغبة لدى المواطن الإماراتي بالتقدم للعمل، وأظهرت الأبحاث أن هناك مواطنين يمتلكون المهارات المطلوبة ولا يتم توظيفهم، فلا بد أن تعاقب الشركات على ذلك.
كما يتعين بعد ذلك استعراض السياسات وتقييمها وتعديلها، مع إجراء البحوث المشتركة بين كل من وزارة التعليم ووزارة الموارد البشرية والتوطين.
أما الفكرة الأخيرة التي أريد أن أترككم معها هي: متى ستتمكن الدولة من تصدير الخبرات أكثر من استيرادها؟