نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال
حدث مؤخراً أمر مثير للسخرية. لقد صار لي ردحٌ من الزمن وأنا أناقش مراراً وتكراراً ضرورة توفر صناديق خاصة للمعاشات التقاعدية، وأن يحصل الناس على تعليم وتدريب لائقين حول كيفية الاستثمار بشكل أفضل في هذه الصناديق.
تكمن الفكرة هنا في أن صناديق التقاعد الخاصة توفر طبقة ثانية أو ثالثة للصندوق العام، وبالتالي تقلل من الضغط على إصلاح هذا الأخير، ولكن هذا الأمر مع ذلك لا يجعل الإصلاح أمراً منسياً بالطبع. على أي حال، كان الأمر المثير للسخرية الذي ذكرته سابقاً هو أنني تلقيت مؤخراً مكالمة هاتفية من شركة تعرض عليّ خطة توفير واستثمار وتأمين على الحياة، ومعاشاً تقاعدياً.
وعلى ما يبدو، فهذه ليست الشركة الوحيدة التي دخلت هذا المجال، لكنها أصبحت الآن أكثر نشاطاً في جذب الناس للانضمام إلى خطتها. توفر هذه المقالة المعرفة الأساسية في كيفية فهم الوثائق التي يتم تقديمها لك في هذا المجال، وكيفية التأكد من أنك على علم تام بما تشترك فيه.
أولاً: المبلغ الذي سوف تدّخره عندهم على أساس شهري. سيعرضون عليك توفير أي مبلغ بدءاً من 1,000 درهم شهرياً إلى أي مبلغ يمكنك تحمله، إلا أن بعض الشركات تحدد سقف المبلغ بخمسة آلاف درهم، في حين تحدده شركات أخرى بعشرة آلاف درهم.
كي تتخذ القرار المناسب في هذا الشأن، عليك أن تأخذ أمرين بعين الاعتبار: أولاً، ما المبلغ الذي يمكنك توفيره شهرياً؟ (تلميح: هل يمكنك زيادة هذا المبلغ إذا كنت ستخفّض إنفاقك الشهري؟). وثانياً، ما مقدار المعاش التقاعدي الذي ترمي إليه؟ ستقوم الشركة بحفظ واستثمار المبالغ التي تقوم بإيداعها شهرياً بمعدلات مختلفة من العائدات اعتماداً على المخاطرة التي ترغب في قبولها، صافي أقساط التأمين على الحياة ورسوم إدارة صناديق الاستثمار التي سأشرحها لاحقاً.
عندما يحين وقت التقاعد، يمكنك اختيار أحد أمرين، إما أن تسحب المبلغ المتراكم نقداً، أو أن تتلقى راتباً شهرياً، سيستمر هذا لفترة أطول اعتماداً على المبلغ الذي كنت قد ادخرته وعلى أداء الاستثمارات الخاصة بك.
ثانياً: المدة. تقدّم لك الشركات خيار سحب المبلغ النقدي في نقاط مختلفة عبر مسيرة تعاملك معها، رهناً بحسابات الشركة والمبلغ الذي في رصيدك. إذ يسمح بعضها لك القيام بذلك بعد خمس سنوات، وبعضها بعد سبع سنوات، إلخ.
ومع ذلك، تسمح معظم الشركات عموماً ببنود الطوارئ حيث يمكنك سحب النقود في ظل ظروف معينة. ينصّ الحس السليم على أنك كلما طالت مدة توفيرك واستثمارك، كانت محفظتك أفضل عند تقاعدك.
ويصدق على ذلك أيضاً، أنه لا يجب أن يعوقك ما سبق عن سحب مبلغك النقدي واستثماره في مكان آخر إذا وجدتَ فرصةً استثمارية أفضل.
ثالثاً: معدل العائد. اكتفى ممثل الشركة خلال حديثه معي بذكر أعلى معدل للعائد وقد استخدمه كنقطة محورية لعرض مدخراتي المستقبلية ومعاشي التقاعدي، وكان المعدل الذي ذكره 10%.
إذا استخدم ممثل الشركة رقماً بهذا الحجم عند نقاشه معك، يجب عليك بالتأكيد التشكيك في هذا الرقم لسببين: أولاً، إن صناديق الثروة السيادية مستعدة لفعل المستحيل للحصول على معدل كهذا من العائد. لقد بلغ متوسط صندوق التقاعد السيادي في النرويج، وهو أكبر صندوق في العالم، 5.8% في الفترة من عام 1998 إلى عام 2017، وهو ما ينخفض إلى 3.9% بعد اقتطاع التضخم ورسوم إدارة الاستثمارات.
قد يقول البعض إن معدل العائد لصندوق كبير يتراوح عادة من منخفض إلى متوسط. يمكن الإجابة بنعم أو لا في الوقت ذاته. ومن المؤكد أن الصناديق الأصغر نسبياً يمكن أن تولّد معدلات أعلى للعائد، وهذا مُثبت تاريخياً، بل يمكن أن يتجاوز المعدل حتى نسبة 10% المعلَنة، وذلك بما يشمل المخاطر.
مهما كانت المبالغ التي تقرّر إيداعها، ضع في اعتبارك مبلغ المعاش التقاعدي المستهدف قبل كل شيء. كما أن خيارات التأمين على الحياة تعني أنك مشمول بالتغطية التأمينية في حال تعذّر عليك العمل لأي سبب كان.
وثانياً، يرجى الأخذ بعين الاعتبار أن نسبة الـ10% المعلنة ستنخفض إلى 4.3% بعد دفع قسط التأمين على الحياة (من المبلغ الذي تم توفيره) وبعد دفع رسوم الإدارة أيضاً.
ليس ذلك فحسب، إذ لم نتطرّق إلى موضوع التضخم أيضاً، مما سيخفّض معدل العائد أكثر من ذلك. الفكرة الأخيرة التي أريد أن أترككم معها هي: على افتراض أن معدل العائد يتراوح بين منخفض ومعتدل،كيف يمكن جني المال بعد القسط، والرسوم، والتضخم؟