بطالة الشباب: عبء يحتاج إلى علاج جذري

نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابطالمقال

الحلّ بالنسبة للعالم العربي… اتخاذ إجراءات إصلاحية لصناديق المعاشات التقاعدية وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم لدفع عجلة النمو.

كانت المشكلة فيما مضى تنضوي تحت مسمّى البطالة… نقطة في آخر السطر. أما الآن فالمشكلة الحقيقية هي في بطالة الشباب.

لذلك كلما تم اقتباس نِسب البطالة بشكل عام، لا ينبغي أن تشكل أمراً ذا بال بالمقارنة مع بطالة الشباب -نقصد بالشباب هنا الفئة العمرية التي تراوح أعمارها بين 15 و24- ويمكنك أن تشير بسهولة بالغة إلى التناقض بين الأمرين كلما وردت مشكلة البطالة في مختلف التقارير.

هل ترتبط المشكلتان بأي شكل من الأشكال؟ -وبغض النظر عن الإجابة- ما مصدر التناقض بينهما؟ سيشكل هذا السؤال النقطة الأولى التي سننظر فيها.

عند النظر في قائمة البلدان العشرة الأوائل التي تسجل أدنى معدلات بطالة بشكل عام، والقائمة المماثلة التي تختصّ في رصد معدلات البطالة بين الشباب حصراً، تحتل ثمانٍ من أصل 10 بلدان التصنيف نفسه في كلتا القائمتين، مع استثناءين فقط. ولا يدهشني بالطبع رؤية تايلند في هاتين القائمتين لكونها حافظت على معدلات بطالة منخفضة خلال السنوات القليلة الماضية.

لقد تمكنت تايلند، في واقع الأمر، من خفض معدل البطالة من 2.7% في عام 1991 إلى 0.6% في عام 2016، أما بالنسبة لبطالة الشباب فيها فقد انخفضت من 6.8% إلى 3.1% (استناداً إلى تقديرات البنك الدولي). قد تعترض قائلاً بأن هذا الانخفاض ليس هائلاً، ولكن لتدرك أهمية الأمر تمعّن في معدلَي البطالة بالمقارنة مع المتوسط العام في جميع أنحاء العالم 5.7% للبطالة عموماً و13.6% للبطالة بين الشباب.

تشمل بقية القائمة بلداناً آسيوية وأفريقية فقط، مع استثناء وجود روسيا البيضاء. ومن جهة أخرى، يمكن تتبّع العلاقة بين البطالة وبطالة الشباب على الرغم من الاختلافات القائمة في كل بلد على حدة.

فعلى سبيل المثال، تنخفض معدلات البطالة في بلدان مثل ميانمار وكمبوديا ولاوس وبنين وبوروندي للأسباب التالية:

إنها تنطلق بالأصل من قاعدة منخفضة جداً.

ما تزال الزراعة عاملاً رئيساً في اقتصاداتها وهي توظف عدداً أكبر من الشباب.

هناك مساهمة كبيرة من مجالات استخراج المعادن، وتصدير المواد الخام، والصناعات التحويلية الأساسية مثل المنسوجات أيضاً في توظيف الشباب.

فكيف استطاعت هذه البلدان الوصول إلى معدلات بطالة منخفضة بين الشباب في حين أن البلدان الأخرى في العالم العربي وأوروبا تعاني بشدة من هذه المسألة؟ لا بد من وجود خط واضح يفصل بين البلدان الأقل نمواً من جهة أولى، علماً أن جميع البلدان المذكورة أعلاه باستثناء روسيا البيضاء تُصنَف كذلك، والبلدان النامية والبلدان المتقدمة من جهة أخرى، مثل البلدان في العالم العربي وأوروبا.

تختلف الحالة بالنسبة لبلدان العالم العربي قليلاً. إذ عند النظر في الدورات الاقتصادية التي تمر بها، يكاد يستحيل العثور بينها على بلد نجح في الانتقال من مرحلة تصدير المواد الخام والسلع الغذائية المستخدَمة في التصنيع الأساسي إلى مرحلة التصنيع الأكثر تطوراً وتصدير الخدمات المالية وغيرها من الخدمات.

يزيد الغموض الذي يشوب ماهية تلك الدورات الاقتصادية عموماً، وتحديد أيٍ منها تمرّ بها تلك البلدان خصوصاً، من تفاقم مشكلة بطالة الشباب في العالم العربي. لقد استقرت أرقام هذه النسبة عند معدل 29.2% في عام 2016 بالنسبة لإجمالي البلدان العربية، حيث ارتفعت من 28.2% في عام 1991، وهي أرقام تثير التساؤل بالطبع. وفي سياق محاولة تفسير هذه النسب لا يمكننا غضّ الطرف عن عوامل مثل عدم كفاية نظام التعليم، وعدم التطابق مع متطلبات سوق العمل الحالية، والفشل في التنبؤ بأنماط العمالة المستقبلية.

أما بالنسبة للبلدان الأوروبية، حيث بلغ معدل بطالة الشباب 23.8% في المتوسط عام 2016 بعد أن كان 18.5% عام 1991، فالمسألة أكثر تعقيداً. إذ بالإضافة إلى احتمال عدم التوافق في أسواق العمل، هناك مشكلة دمجٍ ترتبط مباشرة بأنماط الهجرة.

لا ننسى أيضاً وصول بلدانٍ أوروبية عديدة إلى ما يشبه نقطة الإشباع الاقتصادي، حيث أدّت مشكلة صناديق المعاشات التقاعدية المعسّرة التي تعاني من نقص التمويل إلى زيادة سن التقاعد، مما أدى إلى تضخّم بطالة الشباب. تشكل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم الطريقة الأسهل للخروج من هذه الورطة، وخير مثال على ذلك هو ألمانيا وفائضها التجاري.

يتّخذ الاتجاه العام لبطالة الشباب منحىً متصاعداً بين عامي 1991 و2016، ما يعني أنه مع انتقال البلدان من المرحلة الأقل نمواً إلى مرحلة النمو والتقدم، فإنها ستواجه أولاً قضايا مماثلة لتلك التي تواجهها البلدان العربية، ومن ثم قضايا مماثلة لتلك التي تواجهها البلدان الأوروبية.

ما الحل؟ إصلاح صناديق المعاشات التقاعدية من جهة أولى، والنمو القائم على المشاريع الصغيرة والمتوسطة من جهة أخرى. الفكرة الأخيرة التي أريد أن أترككم معها هي: أيّ من البلدان المذكورة أعلاه تستفيد من استراتيجية التطوير الصينية، طريق الحرير؟