نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال
لماذا تستثمر البلدان في سندات الخزينة الأميركية؟ وما الذي يجعلها استثماراً جذاباً؟ وما الإيجابيات والسلبيات بالنسبة للدول التي تحوز سندات خزينة؟
وهل تعود حيازة السندات بفائدة أكبر على الدول التي تربط عملاتها بالدولار الأميركي؟ وماذا يحدث عندما يرفع مجلس الاحتياطي الفدرالي سعر الفائدة؟
إن أحد العناصر الرئيسة في حساب مخاطر العائد عند احتساب العائد على الاستثمارات هو العنصر الذي يحمل عنوان “خالية من المخاطر”، أي العائد على سندات الخزينة الأميركية. ومن أجل الإجابة عن السؤالين الأول والثاني، فإن حيازة سندات الخزينة الأميركية (الدين الأميركي) يعني تدفقاً مستمراً للعائد بالدولار الأميركي.
خذ الأزمة المالية عام 2008 على سبيل المثال، وفقاً لـ”وزارة الخزينة الأميركية”، ارتفع الدين الأميركي بشكل ملحوظ وذلك نتيجة ارتفاع “الدين الذي يحوزه عامة الناس” – سندات الخزينة التي يحوزها كافة المستثمرين باستثناء الحكومة الاتحادية – من أقل من 5 تريليونات دولار أميركي (18.36 درهم) قبل الأزمة إلى أكثر من 10 تريليونات دولار أميركي بعدها. ماذا حدث؟ اشترت الدول سندات الخزينة التي تحتاج الولايات المتحدة إلى إصدارها لتمويل إنقاذ اقتصادها.
في الإجابة عن السؤالين الثالث والرابع، تشير نظرة سريعة على أكبر 10 أصحاب سندات للخزينة الأميركية إلى أن الارتباط مع الدولار لا يترافق مع ما تحوزه البلد من الدين الأميركي، ولتوضيح ذلك، فإن هونج كونج هي الدولة الوحيدة بين الدول العشر الأولى في حيازة سندات الخزينة الأميركية والتي ترتبط عملتها بالدولار الأميركي.
وعندما ننظر في أكبر 20 دولة في حيازة هذه السندات، نجد أيضاً المملكة العربية السعودية التي تربط ريالها بالدولار الأميركي. وبالنسبة لبعض الدول، تضمن حيازة الدين الأميركي حصولها على تدفق موثوق ومستمر للدولار الأميركي لتسديد ديونها الخاصة التي يتم إصدارها بالدولار الأميركي، كما هو الحال مع اليابان.
أما بالنسبة للدول الأخرى، فإن إعادة استثمار الدولار الأميركي في الاقتصاد الأميركي عن طريق شراء سندات الخزينة يقلل من الضغوط لتوسيع عرض النقود في اقتصاداتها. كما أنه يضمن ضغطاً تصاعدياً على الدولار الأميركي مقابل عملاتها الخاصة، كما هو الحال مع الصين.
وهناك تفسير آخر ينطبق على الدول التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الاستيراد والتصدير وإعادة التصدير، ما يزيد من أهمية حاجتها للدولار الأميركي لإدارة جميع المعاملات التجارية، ومن الأمثلة على ذلك حالة سنغافورة وكذلك هونج كونج.
وخلاصة القول، يمكن تلخيص أسباب حيازة الدين الأميركي المُدرجة أعلاه في سبب واحد وفائدة رئيسة محددة للعديد من الدول، ألا وهي الحصول على تدفق مستمر من الدولار الأميركي. ومن ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة مُستفيدة من حيث إمكانية إنقاذ اقتصادها عند الحاجة، بالإضافة إلى تمويل الفجوة بين الإيرادات الأميركية المتوفرة ونفقاتها سواء كانت نفقات محلية أو غيرها.
ماذا عن السلبيات؟ بالنسبة للولايات المتحدة، تتمثل السلبيات في ارتفاع الدين الأميركي العام، وهو أمر لا يمثل لها مشكلة طالما أن البلدان والمستثمرين الآخرين في سنداتها يحتفظون بمستوى الثقة نفسه في دور الولايات المتحدة كضامن للاقتصاد العالمي. وبعبارة أخرى، طالما لا تقوم الدول بمطالبة مجلس الاحتياطي الفدرالي باستثماراتها.
وكما قال كينيدي حرفياً: “إذا كان الجميع يريد الذهب، فسيحل الدمار بنا جميعاً إذ لا يوجد ما يكفي من الذهب لنا جميعاً”.
إذاً، ماذا لو أرادت جميع الدول الحصول على الدولار الأميركي مقابل سنداتها؟
هنا يكمن الجانب السلبي لحيازة سندات الخزينة الأميركية بالنسبة لكافة المستثمرين الرئيسيين في دين الولايات المتحدة – ولكن لا يمكن حصول هذا إلا في حالة انعدام الثقة بدور الولايات المتحدة كضامن للاقتصاد العالمي. الآن، ماذا يحدث عندما يرفع “مجلس الاحتياطي الفدرالي” أسعار الفائدة؟ سيشجع هذا القرار الدول على شراء سندات إضافية وزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة.
لا تخفى أهمية هذا الأمر بالنسبة للدول التي تربط عملاتها بالدولار الأميركي، إذ من شأن زيادة عوائدها من الدولار الأميركي أن توازن تكاليف الارتباط بالدولار، ولأن “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” يريد تقليص أصوله الضخمة، يأتي هذا في الوقت المناسب، وهو وضع مربح للجانبين.
وفي نهاية المطاف، ستزيد نسبة ديون الولايات المتحدة التي في حيازة المستثمرين الأجانب مقارنةً بنسبة الدين المحلي في الداخل الأميركي. الفكرة الأخيرة التي أريد أن أترككم معها هي: ما المدة التي يمكن لدولة ما أن تخافظ خلالها على ربط عملتها بالدولار الأميركي مع الانخفاض في قيمة العملة، وتقلص إيرادات الدولار الأميركي، وارتفاع سعر فائدة “مجلس الاحتياطي الفيدرالي”، وتحليق أسعار الواردات، وبلوغ حجم مطالبات البنوك الأجنبية 124 مليار دولار أميركي؟