أزمة مصرفية إيرانية تلوح في الأفق

نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال

من المحتمل أن تكون إيران ساحة الأزمة المصرفية القادمة. وأود أن أشير هنا إلى احتمال وقوع أزمة مماثلة في الولايات المتحدة أيضاً بسبب خدمات الرهن العقاري الثانوي لقروض السيارات. ولكنني سأعالج هذا الموضوع في مقالة لاحقة.

لنعُد الآن إلى إيران. ما القصة؟

لقد فُرضت عقوبات على إيران لعدد لا يُحصى من الأسباب، وكلها مشروعة بالطبع. تحدّ العقوبات أساساً من المعاملات المالية والتجارية لهذا البلد كجزء من شبكة الدولار الأميركي في جميع أنحاء العالم. فإذا تعاملت المصارف تجارياً مع جهات تعاني من فرض العقوبات سواء كانت هذه الجهات أفراداً أو شركات أو دولاً (وفقاً لمستوى العقوبة)، فسيتم فرض عقوبات أو جزاءات على تلك المصارف.

ولذلك، يفترض أنه من غير العملي من الناحية التجارية بالنسبة للبلدان أو الكيانات التجارية والمالية أن تقوم بأعمال تجارية مع ذلك البلد، أو أيّ من أفراده أو كياناته الخاضعة للعقوبات. والسبب الذي يجعلني أشير إلى الجانب المالي هنا هو بسبب ارتباطه الوثيق بالبنوك الإيرانية. فما الذي يحدث؟

ميزة عدم الوقوع تحت نير العقوبات، والتي لم تستمتع بها المصارف الإيرانية، هي إمكانية الاقتراض في الأسواق الدولية بالدولار الأميركي (وعملات أخرى إذا لم تكن البلدان المعنية قد فرضت عقوبات عليك). تسمح لك القدرة على الاقتراض دولياً بإعادة تمويل ديونك طويلة الأجل بواسطة ديون قصيرة الأجل، أو إعادة تمويل كل ما تريد إعادة تمويله، من الناحية النظرية.

وهكذا فقدت المصارف الإيرانية خلال كل تلك السنوات قدرة الوصول بالتحديد إلى الأسواق المالية الدولية. ونتيجة لذلك، كانت عالقة في حلقة مفرغة من إمدادات محدودة من الدولارات الأميركية، وإقراض المال للكيانات الحكومية التي لا تُسدد بالضرورة أو التي تعاني من الفساد (إيران تحتل المرتبة 131 من أصل 176 في قائمة الدول الأكثر فساداً)، هذا بالإضافة إلى زيادة في التشديد على السيولة.

وعلى الرغم من فرض عقوبات على إيران، إلا أنها ما تزال قادرة على القيام بالعمل مع البلدان والكيانات الأخرى سواء بصورة قانونية أوغير قانونية. يسمح لها الجزء القانوني بالوصول المحدود إلى الدولار الأميركي، أما الجزء غير القانوني فيسمح لها بالوصول إلى الذهب، والذي يمكن بعد ذلك تحويله إلى نقد. وفيما يلي مناقشة أكثر عمقاً لهاتين النقطتين.

بسبب محدودية المعروض من الدولارات الأميركية، فإن أسعار الفائدة في البنوك الإيرانية مرتفعة جداً – حيث أفادت التقارير أنها بلغت 18% في عام 2016. وكانت أسعار الفائدة الإيرانية في أدنى مستوياتها في عام 1979 – نعم، إنها تلك السنة المروعة. وإليكم ما يحدث.

تقدم المصارف معدلات إيداع أعلى لجذب العملات ومن ثم إقراض المال بمعدلات أعلى. وهذا يؤدي منطقياً إلى التخلف عن السداد وبالتالي إلى تعثر المصارف الإيرانية مع ما لديها من أصول يمكن الإشارة إليها على أنها أصول غير مضمونة والتي تراوحت بين 40 و45% وفقاً للبيانات الرسمية. ويعود ذلك إلى حيازة الأراضي والمباني من الأفراد المتخلفين عن السداد أو الحكومة والكيانات الأخرى.

لقد أدت تلك الأزمة المصرفية إلى الحد من إمكانية المواطن الإيراني العادي على الوصول إلى التمويل، ما عزز من دور الإقراض الذي تقوم به المؤسسات الائتمانية والمالية –وهي مؤسسات تعاونية يدّخر فيها الناس أموالهم ثم يتم إقراض هذه الأموال، ما يمنح المدخرين بعض الفائدة خلال هذه العملية– ربما يرسم هذا السيناريو في ذهنك عملية استرجاع ذهني لأزمة مالية أميركية.

معظم هذه المؤسسات غير مرخصة، وكلما تعثرت يتم دمجها في مؤسسات مصرفية مرخصة. فعلى سبيل المثال تم حل شركة “ميزان” وتحويل أصولها وذممها المتبقية إلى مصرف “صادرات”.

وختاماً، فإن المشاكل المصرفية في إيران ترجع إلى: 1. العقوبات – عدم إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية أو الإمكانية المحدودة فقط في هذا المجال وبالتالي تقييد السيولة، 2. الدور الذي تلعبه المؤسسات الائتمانية والمالية – ومعها الأصول غير المضمونة.

واعتباراً من مارس (آذار) 2017، بلغت القروض المتعثرة في إيران 33.9 مليار دولار. ما يشير إلى الحاجة الماسة  لعملية إنقاذٍ هنا. وبما أن رفع العقوبات تم بشكل جزئي فقط، فإن المصارف العالمية حذرة من التعامل مع إيران نظراً للعقوبات الجسيمة على كل من أقدم على ذلك – خذ بعين الاعتبار الغرامة المالية التي فُرضت على بي إن بي باريباس (BNP Paribas) بمبلغ 9 مليارات دولار في عام 2014- مما يزيد من تفاقم المشكلة المصرفية الإيرانية. الفكرة الأخيرة التي أريد أن أترككم معها هي: ما المصدر الآخر الذي يمكن أن تحصل منه إيران على الدولار الأميركي؟ (تلميح: التدخلفي الشؤون الإقليمية).