يتعين على الحكومات مواصلة التشجيع على الإنفاق

نُشر هذا المقال في الاقتصادي-الإمارات: رابط المقال

الإنفاق الحكومي أو الإنفاق الاستهلاكي؟ هل ينبغي لأحدهما أن يتعدى على الآخر لدفع عجلة النمو الاقتصادي؟

ستقارن هذه المقالة بين هذين النوعين من الإنفاق من حيث أوجه التشابه والاختلاف مع طرح بعض الأمثلة، مع التركيز على الصين كمثال. من شأن مناصري نظريات كينز الاقتصادية (Keynesian Economics) أن يروجوا لفكرة قيام الحكومة باتخاذ إجراءات مالية ونقدية لتحفيز النمو الاقتصادي في أوقات الركود أو الكساد.

تكمن الفكرة هنا في إمكانية تخفيض الضرائب (المالية) من قبل الحكومات لتشجيع الاستثمارات الرأسمالية على سبيل المثال أو في إمكانية تخفيض أسعار الفائدة (النقدية) لتحفيز النمو المستند على الديون إما عن طريق الشركات مرة أخرى أو الاستثمارات الرأسمالية أو من خلال إنفاق المستهلكين. سأتطرق إلى هذه النقطة لاحقاً.

باختصار، يجب أن تسعى الإجراءات الحكومية نحو خلق الطلب أو تحفيزه في ظل الاقتصاد الذي يعاني من التباطؤ في النمو، وبالتالي، الوصول إلى نسبة التضخم المُستهدفة. وإذا تم تطوير الفكرة بشكل أكبر لتلائم الوضع الراهن اليوم، فإن دفع اليابان لزيادة الحد الأدنى للأجور من قبل الشركات هو أحد الإجراءات الحكومية الجديدة، كما أن تأجيل الزيادة الجديدة على ضريبة المبيعات إلى عام 2019 بعد إقرار الزيادة الضريبية الماضية هو إجراء حكومي آخر في السياق ذاته.

ويمكن قول الشيء نفسه عن خفض الصين نسبة الاحتياطي للمصارف لزيادة السيولة في أسواقها. إذاً، لأي مدى يمكن اعتبار أن الإنفاق الحكومي أمرٌ جيد؟

قد يكون ما ذُكر أعلاه السبيل الوحيد للمضي نحو الأمام في الاقتصادات المتقدمة في محاولة تشجيع المستهلكين على الإنفاق لتحفيز النمو الاقتصادي. فعلى سبيل المثال، زيادة الإنفاق الحكومي على البُنية التحتية في هذه الدول لن يكون له الأثر الاقتصادي نفسه كما كان الحال في السابق، أو كما هو الحال في الدول النامية اليوم.

وبالأخذ بعين الاعتبار الاتجاه السائد نحو الذكاء الاصطناعي والأتمتة، فمن المرجح أن يتم تقويض جهود الإنفاق على بناء البنية التحتية وصيانتها إلى حد كبير.

قد يتوفر الإنفاق الاستهلاكي في الاقتصاد بشكل طبيعي مع وجود قيود تتعلق بأي زيادة في الإنفاق على الواردات، وكذلك تلك المرتبطة بالدخل المحدود أو الناتج المحلي الإجمالي المنخفض للفرد من ناحية تعادل قيمة القوة الشرائية.

وبالتالي، قد تكون الإجراءات التي تم وصفها أعلاه بمثابة محفزات للتشجيع على المزيد من الإنفاق على ألا يتم تمويل هذا الإنفاق بزيادة الدين، وهي المشكلة التي تعاني منها الصين في الوقت الراهن. ولذا نرى الصين توفر السيولة للحكومات والشركات المحلية من خلال قنوات مختلفة.

وقد نَتَجَ عن ذلك تضخم نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بما يزيد على 300%، وعلى الرغم من أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للأفراد ما تزال متواضعة بالمقارنة مع تلك النسبة المتعلقة بالشركات، إلا أن زيادة ديون الشركات يمكن أن يكون لها آثار طويلة الأجل على الإنفاق الاستهلاكي حال إفلاس هذه الشركات.

وبالمقارنة، هناك رغبة أكبر نحو الإنفاق الاستهلاكي إذا تم التخطيط له بعناية وبشكل متوازن مع الإنفاق الحكومي. وطالما أن الإنفاق الاستهلاكي لا يستند إلى الديون يمكن التغاضي عن ازدياده، بل يصبح أمراً مرغوباً فيما يتعلق بآفاق النمو المستقبلية.

في رأيي، ينبغي تقييم الإنفاق الحكومي وتنفيذه بعد الإجابة عن سؤالين، الأول: هل سيساعد هذا الإنفاق في خلق فرص عمل؟ إذا كانت الإجابة “نعم”، فهل ستكون هذه الفرص مستدامة دون مزيد من الإنفاق الحكومي؟

إذا كانت الإجابة النهائية “لا”، فلن يؤدي الإنفاق الحكومي إلا إلى حدوث طفرات مؤقتة في النمو دون الحصول على نمو مُستدام.

والسؤال الثاني: هل يمكن أن يؤدي الإنفاق الحكومي إلى زيادة الطلب المحلي دون المساس بالاستقرار المالي طويل الأجل في حساباته؟ عندما تقرر الحكومة خفض الضرائب لتشجيع الإنفاق الاستهلاكي، فإن ذلك سيؤدي إلى خفض إيراداتها دون خفض نفقاتها.

يمكن أن يخلق هذا الأمر ضغطاً متواصلاً على ميزانية الحكومة وبالتالي قدرتها على الإنفاق. وإذا كانت الإجابة عن السؤال “نعم”، فسيتعين على الحكومة عندئذ اتخاذ قرار بشأن حجم التدخل الحكومي في الاقتصاد لتحفيز الطلب المحلي الإجمالي.

وفي جميع الأحوال، ولضمان النمو الاقتصادي المُستدام، يجب على أي حكومة أن تركز على حلّ مُستدام تكون فيها الإجراءات الحكومية مُحددة وموجهة لتحفيز النمو في فترات الركود الاقتصادي.

الفكرة الأخيرة التي أريدُ أن أترككم معها هي: ما الذي سيطرأ على النمو الاقتصادي في الصين إذا وصل إنفاقها الاستهلاكي إلى مستويات الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة؟